وعلى بعد بضعة أمتار عن الجثة كان هناك مسدس على منضدة صغيرة، وهذا ما وضع كل من المحقق والأطباء الشرعيين في حيرة من أمرمهم، فالرصاصة رست في القلب ومثل هذه الإصابة تحدث الوفاة على الفور. والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن لانتحاري بعد إطلاق النار أن يضع المسدس على المنضدة الصغيرة وثم يعود الى سريره؟ إلا أن المحققين أصيبوا بدهشة أكبر بعد معرفة اسم المتوفي وهو العالم الشهير البروفسور الروسي نيكولاي بيلتشيكوف.
(Пильчиков Николай Дмитриевич) / (Nikolai Pylchykov).
واليوم يكاد يكون هذا الاسم منسياً، ولكن في الفترة ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين كان صوته مدوياً في أوروبا فقد كان طيف المواضيع العلمية التي اهتم بها بيلتشيكوف واسعاً بشكل كبير، حيث قام بنشر أكثر من 50 بحثاً علمياً في مجال البصريات والجغرافية والأرصاد الجوية والكهرباء وفي مجال النشاط الإشعاعي والأشعة السينية. كما يعتبر البروفسور بيلتشيكوف عضواً في الجمعيات العلمية في روسيا وفرنسا وألمانيا والنمسا حيث يقدم وبشكل دوري تقارير علمية أثناء المؤتمرات الدولية. ولكن كان هناك موضوع ارتأى العالم الفيزيائي الموهوب حتى وقتنا الحاضر عدم الإعلان عنه، والحديث هنا يدور عن إدارة الآلات والمعدات لاسلكياً.
كما تعلمون فإن أي طفل بإمكانه اليوم أن يلعب مع سيارة تعمل بشكل لاسلكي أو مع طائرة على جهاز تحكم، ولكن كل ذلك كان حلماً وبدا وكأن ذلك معجزة منذ 100 عام. وهذا ما يفسر الحضور الكبير أثناء إلقاء البروفسور بيلتشيكوف محاضرته حول تجاربه الخارقة عام 1898عندما قام العالم بواسطة جهاز إرسال بتشغيل الإضاءة في منارة، كما تحكم بحركة الساعة وقام بإطلاق النار من بندقية صغيرة عن بعد. ولكن الأهم من كل ذلك هي التجربة التي قام بها أثناء تحكمه بالألغام عن بعد، عندها أودى الانفجار المصغر... بنموذج ليخت إلى أسفل الحوض مما أدهش جميع الجمهور.
بطبيعة الحال كان هناك علماء يدرسون مسألة التحكم عن بعد منهم نيكولا تيسلا وغوليلمو ماركوني وألكسندر بوبوف، ولكن على الرغم من ذلك كان للعالم بيلتشيكوف نهجه وطريقته الخاصة، وتبين من خلال تجاربه التي عرضها أثناء المحاضرة أنها ليست مخصصة للترفيه واللعب، فهو في ذلك الوقت قام بتطوير جهاز فريد من نوعه قادر على تصفية الموجات اللاسلكية. حيث أطلق المخترع على جهازه اسم "الحامي" (بروتيكتور)، وذلك لأنه وبفضل جهازه كان بإمكان الحماية ضد أي تدخل أو تشويش أثناء اعتراض الاتصالات اللاسلكية.
لقد سعى بيلتشيكوف أن يجد استخدام عملي لاكتشافه، فقد عرض الفرنسيون على البروفسور مليون فرنك من أجل الحصول على براءة اختراع لهذا الجهاز لكن العالم رفض. وبما أنه كان رجلاً وطنياً لبلاده كان يعتقد بأن اختراعه ينبغي استخدامه لصالح روسيا. في ذلك الوقت حاول تطبيق هذا الاختراع عن طريق قيادة القوات البحرية الروسية، ولكن المسؤولين المحافظين على عكس الفرنسيين، لم يقيموا هذا الاختراع حق تقييم. وعلى مدى عامين تماماً حاول المخترع وبإصرار إقناع المتشككين، وأخيراً نجح في عقد لجنة خاصة بهذا الشأن والتي أصدرت حكمها على الشكل التالي: "إن مسألة حماية الترددات اللاسليكة من التشويش بواسطة جهاز بيلتيشكوف تستحق الاهتمام. وبدا الأمر وكأن الوضع تحرك من حالة السكون وبدأت الآلة البرقراطية تعمل عملها. حينها خصصت الوزارة البحرية موارد مالية للعالم بيلتيشكوف من أجل إجراء المزيد من التجارب، حتى أنها وفرت له إحدى السفن البحرية ووضعتها تحت إمرته. وفي وقت لاحق اعترف الخبراء والأخصائيون من خلال التقارير التي قدمت بأن اختراع البروفسور مفيد جداَ.
واستمر العالم بتجاربه وقام بتنفيذ مشاريع جديدة. في البداية قام بإنشاء محطة لاسلكية في معهد خاركوف التقني. ومن ثم قام بشراء سيارة على حسابه الخاص وقام بتثبيت جهاز لاسلكي فيها، وبذلك أصبحت هذه السيارة أول محطة لاسلكية متنقلة في روسيا.
ومثله مثل أي إنسان موهوب كان لدى بيلتشيكوف ما يكفي من الحاسدين والخصوم، وشيئاً فشيئاً بدأت العلاقات مع زملائه تتدهور، ولم يتمكن من تحقيق النجاح في حياته الشخصية، وتراكمت المتاعب من العمل الشاق المستمر. ولهذا قرر بيلتشيكوف الإقامة في المشفى، حيث كما نعلم جميعناً انتهت حياته بشكل مأساوي.
السؤال الذي يطرح نفسه هل كان ذلك جريمة قتل أم انتحار؟ لا أحد يعلم. فالمحققون ولسبب غير معروف لم يأخذوا البصمات التي كانت على المسدس في غرفة بيلتشيكوف. لكن من المعروف بعد مقتل العالم اختفت جميع أبحاثه ولم يتم العثور عليها. ولا أحد يعلم هل سرقت أم أن بيلتشيكوف قام بالتخلص منها؟ لا يبقى لنا إلا أن نخمن في حقيقة ما جرى.
...المزيد: http://arabic.sputniknews.com/arabic.ruvr.ru/2014_08_15/275992441/
...المزيد: http://arabic.sputniknews.com/arabic.ruvr.ru/2014_08_15/275992441/
Blogger Comment
Facebook Comment